قانون جديد في سلطنة يغير ملامح سوق العمل .. ماذا ينتظر المقيمين والمواطنين في مسقط؟

  • كتب بواسطة :

بعد دراسة متأنية استمرت 5 سنوات ضمن برنامج التوازن المالي 2020-2024، أعلنت سلطنة عمان عن خطوة ضريبية غير مسبوقة في الخليج، ضريبة الدخل على الأفراد أصبحت حقيقة بموجب المرسوم السلطاني رقم 56 لسنة 2025، لتبدأ سريانها الفعلي في يناير 2028 .

حيث تُعد عُمان بذلك أول دولة خليجية تطبق هذا النوع من الضرائب مباشرة على دخل الأفراد (مواطنين ووافدين)، وتهدف هذه الضريبة لدعم التنويع الاقتصادي وضمان استدامة المالية العامة. نستعرض في هذا الدليل الشامل كافة تفاصيل القانون وتأثيره المتوقع غذعذه بناء على ما تم الاعلان عنه رسميا من الجهات المختصة .

الفئة المستهدفة: من يدفع ضريبة الدخل في عُمان؟

يسري القانون على كافة الأفراد المقيمين في عُمان (مواطنين ووافدين) الذين يتجاوز دخلهم الشهري 3500 ريال عُماني (حوالي 9100 دولار أمريكي)، فالميزة الأساسية هي تطبيق نسبة ثابتة قدرها 5% فقط على الجزء الذي يتجاوز هذا الحد.

أي أن من يحصل على 3600 ريال سيدفع 5% فقط على 100 ريال (أي 5 ريالات ضريبة)، ونفس النسبة تطبق على من يحصل على 10,000 ريال أو أكثر.

المواطنون العُمانيون: تأثير محدود جداً

تشير التقديرات غير الرسمية إلى أن نسبة المواطنين العُمانيين الخاضعين للضريبة لن تتجاوز 1% من إجمالي القوة العاملة الوطنية، وذلك للأسباب التالية:

  • القطاع العام: غالبية موظفي الحكومة رواتبهم ضمن الإعفاء أو لا تتجاوز الحد بشكل كبير. الخضوع سيكون في حالات نادرة.
  • القطاع الخاص: حتى في القطاع الخاص، ستقلص الإعفاءات القابلة للخصم (مثل مصاريف التعليم) من الوعاء الضريبي للعديد من المواطنين. تقديم الإقرار الضريبي سيكون أساسياً لإثبات هذه النفقات.
  • الخلاصة: الغالبية العظمى من المواطنين لن تتأثر بشكل ملموس بهذه الضريبة.

الوافدون: محور تحصيل الضريبة

يُتوقع أن تشكل الضريبة المفروضة على الوافدين ذوي الدخل المرتفع المصدر الرئيسي لإيرادات هذا القانون، نظراً لوجود عدد أكبر منهم في نطاق الدخل الخاضع للضريبة مقارنة بالمواطنين.

عُمان والضريبة: ريادة خليجية ومقارنة عربية

  • الريادة الخليجية: تؤكد عُمان موقعها كـ أول دولة في مجلس التعاون الخليجي تطبق ضريبة الدخل المباشرة على الأفراد.
  • المشهد العربي: ضمن العالم العربي، تصبح عُمان الدولة 17 من أصل 22 دولة عربية تطبق ضريبة الدخل على الأفراد. مصر كانت الأولى (1939) وعُمان هي الأحدث (2025).
  • الاختلاف الجوهري (النظام الثابت vs. الشرائح): تختلف عُمان عن معظم الدول العربية (مثل مصر والأردن وتونس والمغرب) التي تطبق أنظمة ضريبية تعتمد على شرائح متعددة تزداد فيها النسبة مع ارتفاع الدخل (مثلاً: 5% على أول 5000 ريال، 10% على الـ 5000 التالية، 20% على ما يزيد عن ذلك). النظام العُماني الجديد أبسط بكثير: نسبة ثابتة 5% فوق حد الإعفاء (3500 ريال) فقط.

الوافدون تحت المجهر: الهنديون في بؤرة الضريبة

يركز التحليل على العمالة الوافدة، خاصة الهندية، للأسباب التالية:

1. أكبر الجاليات العاملة:

  • بنغلاديش: ~707,300 عامل (أغلبهم غير مهرة، رواتب منخفضة جداً، خارج نطاق الضريبة).
  • الهند: ~513,900 عامل (ثاني أكبر جالية، نسبة ملحوظة من المهرة والمحترفين).
  • باكستان: ~286,900 عامل (نسبة محدودة في نطاق الضريبة).
  • مصر: ~41,500 عامل (نسبة محدودة في نطاق الضريبة).

2. الجالية الهندية: مصدر الإيرادات المتوقع

  • التصنيف: تشير التقديرات إلى أن حوالي 10% من العمال الهنود (~51,390 فرداً) يصنفون كمحترفين (مهندسين، أطباء، مديرين) يتقاضون رواتب تتجاوز 3500 ريال عُماني شهرياً.
  • اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي: بفضل الاتفاقية بين عُمان والهند، لن يدفع العامل الهندي ضريبة في الهند على دخله العُماني (إذا أقام أكثر من 183 يومًا بالسنة خارج الهند)، بل سيدفع الضريبة العُمانية فقط (5%) على الجزء الزائد عن 3500 ريال.
  • الحصيلة المتوقعة (تقدير متحفظ):
    • على افتراض أن كل عامل من الـ 51,390 يحصل على 3501 ريال فقط (أدنى حد خاضع).
    • الضريبة الشهرية للفرد: 5% * (3501 - 3500) = 5% * 1 ريال = 0.05 ريال.
    • الضريبة السنوية للفرد: 0.05 * 12 = 0.6 ريال.
    • الإجمالي السنوي من الجالية الهندية: 51,390 * 0.6 = ~30,834 ريال عُماني.
  • الحصيلة الواقعية المتوقعة (أكثر دقة): هذا الحساب متحفظ جداً. الواقع يشير إلى:
    • رواتب المحترفين الهنود غالباً ما تكون أعلى بكثير من 3501 ريال (قد تصل لآلاف الريالات).
    • الضريبة على راتب 5000 ريال مثلاً: 5% * (5000-3500) = 5% * 1500 = 75 ريال/شهر (900 ريال/سنوياً للفرد).
    • مع أخذ رواتب أعلى وعدد أكبر محتمل في النطاق الضريبي، تتجاوز الحصيلة السنوية المتوقعة من الوافدين (خاصة الهنود) بسهولة 1.2 مليار ريال عُماني سنوياً، وهو رقم يعكس التأثير الاقتصادي الحقيقي.

التحديات والمخاوف: التهرب والرقابة

مثل أي إصلاح ضريبي جديد، تبرز مخاوف مشروعة:

  • التحايل في القطاع الخاص: قد يحاول بعض أصحاب العمل أو الموظفين (وافدين أو مواطنين) التهرب عبر طرق مثل تقسيم الرواتب، الدفع نقداً، أو التلاعب بالسجلات.
  • جاهزية الجهات الرقابية: السؤال الملح: هل تمتلك الهيئة العامة للضرائب في عُمان الأدوات التقنية والبشرية اللازمة لكشف مثل هذه الممارسات ومنعها بشكل فعال؟ يظل تطبيق آليات رقابية صارمة وشفافة هو التحدي الأكبر لضمان عدالة الضريبة ونجاحها في تحقيق أهدافها.

نحو مستقبل مالي أكثر استقراراً

يمثل تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد في عُمان بداية يناير 2028 تحولاً جذرياً في السياسة المالية للسلطنة. رغم أنها الأولى خليجياً، إلا أن تصميمها (بنسبة ثابتة 5% وحد إعفاء مرتفع) يهدف لتقليل التأثير على الغالبية العظمى من المواطنين والتركيز على شريحة الدخل المرتفع، خاصة بين الوافدين.

بينما تشير التقديرات الأولية إلى حصيلة ضريبية معتبرة تعزز الميزانية (قد تتجاوز 1.2 مليار ريال سنوياً من الوافدين وحدهم)، يبقى نجاح القانون مرهوناً بقدرة الجهات المعنية على ضمان الامتثال والشفافية ومكافحة التهرب، خاصة في أوساط القطاع الخاص.

ستكون السنوات الثلاث القادمة فترة حاسمة للتحضير والتوعية لضمان انطلاقة سلسة لهذا النظام الضريبي التاريخي.

إنضم لقناتنا على تيليجرام